فصل: (فَصْلٌ: فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ‏]‏

المتن‏:‏

اصْطَدَمَا بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ‏:‏ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، إذَا ‏(‏اصْطَدَمَا‏)‏ أَيْ حُرَّانِ كَامِلَانِ رَاكِبَانِ أَوْ مَاشِيَانِ أَوْ رَاكِبٌ وَمَاشٍ طَوِيلٌ سَوَاءٌ أَكَانَا مُقْبِلَيْنِ أَوْ مُدْبِرَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُقْبِلًا وَالْآخَرُ مُدْبِرًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ وَإِنْ قَيَّدَ الرَّافِعِيُّ بِالْمُدْبِرَيْنِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الِاصْطِدَامَ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِلَا قَصْدٍ‏)‏ كَاصْطِدَامِ أَعْمَيَيْنِ، أَوْ غَافِلَيْنِ، أَوْ كَانَا فِي ظُلْمَةٍ لِيَشْمَلَ مَا إذَا غَلَبَتْهُمَا الدَّابَّتَانِ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي كَلَامِهِ، وَاسْتُفِيدَ تَقْيِيدُ الِاصْطِدَامِ بِالْحُرَّيْنِ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ‏)‏ أَمَّا كَوْنُهُ نِصْفَ دِيَةٍ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ مَعَ جِرَاحَةِ نَفْسِهِ‏.‏ وَأَمَّا كَوْنُهَا مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَا مُنْكَبَّيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالْآخَرُ مُسْتَلْقِيًا اتَّفَقَ الْمَرْكُوبَانِ كَفَرَسَيْنِ أَوْ لَا كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ وَبَغْلٍ اتَّفَقَ سَيْرُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْدُو وَالْآخَرُ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ قَصَدَا فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةٌ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ كَفَّارَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا فَكَذَلِكَ، وَفِي تَرِكَةِ كُلٍّ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ، وَصَبِيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ كَكَامِلَيْنِ، وَقِيلَ إنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ، وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ قَصَدَا‏)‏ جَمِيعًا الِاصْطِدَامَ ‏(‏فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةٌ‏)‏ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِوَرَثَةِ الْآخَرِ‏.‏ أَمَّا كَوْنُهَا نِصْفَ دِيَةٍ فَلِمَا مَرَّ‏.‏ وَأَمَّا كَوْنُهَا مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ شِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِاصْطِدَامَ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَصَدَ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ الِاصْطِدَامَ دُونَ الْآخَرِ وَمَاتَا ‏(‏فَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏حُكْمُهُ‏)‏ مِنْ التَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ ضَعِيفَةً بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَرَكَتِهَا حُكْمٌ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِي جِلْدَةِ الْعَقِبِ مَعَ الْجِرَاحَاتِ الْعَظِيمَةِ، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ عَلَى فِيلٍ وَالْآخَرُ عَلَى كَبْشٍ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَةِ الْكَبْشِ مَعَ حَرَكَةِ الْفِيلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَاشِيَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا فِي تَرِكَتِهِ ‏(‏كَفَّارَتَيْنِ‏)‏ إحْدَاهُمَا لِقَتْلِ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِقَتْلِ صَاحِبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إهْلَاكِ نَفْسَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَأَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ‏.‏ وَالثَّانِي عَلَى كُلٍّ كَفَّارَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ ‏(‏وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا فَكَذَلِكَ‏)‏ الْحُكْمُ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ ‏(‏وَ‏)‏ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ‏(‏فِي تَرِكَةِ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ‏)‏ أَيْ مَرْكُوبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِتْلَافِ مَعَ هَدْرِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ يَجِيءُ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجِيءُ فِي الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاقِلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَرَثَتَهُ وَعُدِمَتْ الْإِبِلُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّتَانِ لَهُمَا، فَإِنْ كَانَتَا لِغَيْرِهِمَا كَالْمُعَارَتَيْنِ وَالْمُسْتَأْجَرَتَيْنِ لَمْ يُهْدَرْ مِنْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَ وَنَحْوَهُ مَضْمُونٌ، وَكَذَا الْمُسْتَأْجَرُ وَنَحْوُهُ إذَا أَتْلَفَهُ ذُو الْيَدِ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا فِي السَّفِينَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ إنْ كَانَتَا لَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ وَالسَّفِينَتَيْنِ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمُقَدَّمِ وَإِطْلَاقُ الْمُؤَخَّرِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْحُرَّيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا عَلَى الْأَثَرِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ كَانَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمُصْطَدِمَيْنِ بَيْضَةٌ، وَهِيَ مَا تُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ فَكُسِرَتْ، فَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ‏:‏ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ بَيْضَةِ الْآخَرِ، وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا وَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ وَهُدِرَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْآخَرِ سَوَاءٌ أَسَقَطَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَمْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالْآخَرُ مُسْتَلْقِيًا، فَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُمَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِإِرْخَاءِ الْآخَرِ الْحَبْلَ فَنِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهُدِرَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ ظَالِمٌ فَالظَّالِمُ هَدَرٌ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَ شَخْصٌ يَمْشِي فَوَقَعَ مَدَاسُهُ عَلَى مُؤَخَّرِ مَدَاسِ غَيْرِهِ وَتَمَزَّقَ لَزِمَهُ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ تَمَزَّقَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ ‏(‏وَصَبِيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ‏)‏ أَوْ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ فِي اصْطِدَامِهِمْ ‏(‏كَكَامِلَيْنِ‏)‏ فِيمَا سَبَقَ فِيهِمَا وَمِنْهُ التَّغْلِيظُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ، هَذَا إنْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَكَذَا إنْ أَرْكَبَهُمَا وَلِيُّهُمَا لِمَصْلَحَتِهِمَا وَكَانَا مِمَّنْ يَضْبِطُ الْمَرْكُوبَ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏إنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ مَا إذَا أَرْكَبَهُمَا لِزِينَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ مُهِمَّةٍ، فَإِنْ أَرْهَقَتْ إلَى إرْكَابِهِمَا حَاجَةٌ كَنَقْلِهِمَا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَطْعًا، قَالَا وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ، فَإِنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ دَابَّةً شَرِسَةً جَمُوحًا ضَمِنَ الْوَلِيُّ لِتَعَدِّيهِ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِيمَنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَوْ أَرْكَبَهُ دَابَّةً هَادِيَةً وَهُوَ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ مَا إذَا كَانَا غَيْرَ مُمَيِّزَيْنِ كَابْنِ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَأَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ لَا يُنْسَبَ الْوَلِيُّ إلَى تَقْصِيرٍ فِي تَرْكِ مَنْ يَكُونُ مَعَهُمَا مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرْسَالِهِ مَعَهُمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا وَلِيُّ الْحَضَانَةِ الذَّكَرُ، لَا وَلِيُّ الْمَالِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبَسَطَ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ‏:‏ يُشْبِهُ أَنَّهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ مِنْ أَبٍ وَغَيْرِهِ خَاصٍّ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلِيُّ الْمَالِ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ ‏(‏وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ‏)‏ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَلَوْ لِمَصْلَحَتِهِمَا ‏(‏ ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا‏)‏ لِتَعَدِّيهِ بِإِرْكَابِهِمَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ‏:‏ إطْلَاقُهُ تَضْمِينَ الْأَجْنَبِيِّ مَا لَوْ تَعَمَّدَ الصَّبِيَّانِ الِاصْطِدَامَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْوَسِيطِ يُحْتَمَلُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ، وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةَ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَقَوْلُهُ‏:‏ ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ الضَّمَانُ الْأَوَّلُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالثَّانِي عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُرْكِبِ بِذَلِكَ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيَّانِ مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الرُّكُوبَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا كَذَلِكَ فَهُمَا كَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ ضَمِنَهُ الْمُرْكِبُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إرْكَابُهُ لِغَرَضٍ مِنْ فُرُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ إذَا أَرْكَبَهُ لِهَذَا الْغَرَضِ وَكَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي‏:‏ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرْكَبَ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى كُلٍّ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اصْطَدَمَ ‏(‏حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا‏)‏ بِأَنْ أَلْقَتَا جَنِينَيْهِمَا وَمَاتَتَا ‏(‏فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ‏)‏ مِنْ وُجُوبِ نِصْفِهَا عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِهْدَارِ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مَنْسُوبٌ إلَى فِعْلِهِمَا ‏(‏وَعَلَى‏)‏ أَيْ وَيَجِبُ فِي تَرِكَةِ ‏(‏كُلٍّ‏)‏ مِنْ الْحَامِلَيْنِ ‏(‏أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ كَفَّارَةٌ لِنَفْسِهَا، وَثَانِيَةٌ لِجَنِينِهَا، وَثَالِثَةٌ لِصَاحِبَتِهَا، وَرَابِعَةٌ لِجَنِينِهَا لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي إهْلَاكِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ‏.‏ وَالثَّانِي تَجِبُ كَفَّارَتَانِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَعَلَى التَّجَزِّي ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهِمَا‏)‏ نِصْفُ غُرَّةٍ لِجَنِينِهَا وَنِصْفُ غُرَّةٍ لِجَنِينِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا وَجَبَتْ الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا كَمَا لَوْ جَنَتْ عَلَى حَامِلٍ أُخْرَى وَلَا يُهْدَرُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُهَا وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا بِخِلَافِ أَنْفُسِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ وُجُوبَ رَقِيقٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَاكَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ لَهُ أَنْ يُسَلَّمَ نِصْفُ رَقِيقٍ عَنْ وَاحِدٍ وَنِصْفُ رَقِيقٍ عَنْ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ نِصْفُ غُرَّةٍ لِهَذَا وَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْأُخْرَى‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ عَبْدَانِ فَهَدَرٌ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اصْطَدَمَ ‏(‏عَبْدَانِ‏)‏ وَمَاتَا ‏(‏فَهَدَرٌ‏)‏ سَوَاءٌ مَاتَا مَعًا بِهَذَا الِاصْطِدَامِ أَمْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ قَبْلَ إمْكَانِ بَيْعِهِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ قِيمَتُهُمَا أَمْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِهْدَارِ مَسَائِلُ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ الْمَغْصُوبَانِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ فِدَاءُ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهُمَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، الثَّانِيَةُ إذَا أَوْصَى أَوْ وَقَفَ عَلَى أَرْشِ مَا يَجْنِيهِ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ مِنْهُ لِسَيِّدِ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُ قِيمَةِ عَبْدِهِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، لَكِنَّهُ فِقْهٌ وَاضِحٌ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ مَا إذَا امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا كَأَنْ كَانَا ابْنَيْ مُسْتَوْلَدَتَيْنِ، أَوْ مَوْقُوفَتَيْنِ، أَوْ مَنْذُورًا إعْتَاقُهُمَا فَلَا يُهْدَرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَالْمُسْتَوْلَدَتَيْنِ، وَحُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَتَيْنِ أَنَّ عَلَى سَيِّدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَدْرَ النِّصْفِ الَّذِي جَنَتْ عَلَيْهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ لِلْآخَرِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِاسْتِيلَادِهَا مَنَعَ بَيْعَهَا‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ الْمُسْتَوْلَدَتَانِ أَيْضًا، وَاسْتِثْنَاءُ هَذِهِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ لَفْظَ الْعَبْدِ يَشْمَلُ الْأَمَةَ‏.‏ أَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي رَقَبَةِ الْحَيِّ، وَكَذَا نِصْفُ قِيمَةِ مَا كَانَ مَعَهُ إنْ تَلِفَ أَيْضًا وَإِنْ أَثَّرَ فِعْلُ الْمَيِّتِ فِي الْحَيِّ نَقْصًا تَعَلَّقَ غُرْمُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَةِ الْحَيِّ وَجَاءَ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَإِنْ اصْطَدَمَ عَبْدٌ وَحُرٌّ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَيُهْدَرُ الْبَاقِي أَوْ مَاتَ الْحُرُّ فَنِصْفُ دِيَتِهِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ فَاتَتْ فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِبَدَلِهَا فَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْ الْعَاقِلَةِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَيَدْفَعُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِلْوَرَثَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ سَفِينَتَانِ فَكَدَابَّتَيْنِ، وَالْمَلَّاحَانِ كَرَاكِبَيْنِ إنْ كَانَتَا لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَالُ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَتَا لِأَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اصْطَدَمَ ‏(‏سَفِينَتَانِ‏)‏ وَغَرِقَتَا ‏(‏فَكَدَابَّتَيْنِ‏)‏ اصْطَدَمَتَا وَمَاتَتَا فِي حُكْمِهِمَا السَّابِقِ ‏(‏وَالْمَلَّاحَانِ‏)‏ فِيهِمَا تَثْنِيَةُ مَلَّاحٍ، وَهُوَ النُّوتِيُّ صَاحِبُ السَّفِينَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِجْرَائِهِ السَّفِينَةَ عَلَى الْمَاءِ الْمِلْحِ، حُكْمُهُمَا ‏(‏كَرَاكِبَيْنِ‏)‏ مَاتَا بِاصْطِدَامٍ فِي حُكْمِهِمَا السَّابِقِ ‏(‏إنْ كَانَتَا‏)‏ أَيْ السَّفِينَتَانِ وَمَا فِيهِمَا ‏(‏لَهُمَا‏)‏ فَيُهْدَرُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ سَفِينَةٍ وَنِصْفُ بَدَلِ مَا فِيهَا، فَإِنْ مَاتَا بِذَلِكَ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَّارَتَانِ كَمَا سَبَقَ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ الْمَلَّاحَيْنِ كَالرَّاكِبَيْنِ مَا إذَا قَصَدَ الْمَلَّاحَانِ الِاصْطِدَامَ بِمَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ مُهْلِكًا مُغْرِقًا فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَرِكَةِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمُصْطَدِمَيْنِ فَإِنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِمَا صَدَرَ مِنْ الْمُتَعَمِّدِ دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَيِّ بِنَاءً عَلَى إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ جَارِحِ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَنْ يُقْتَلَانِ بِهِ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ بِذَلِكَ، فَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَرْقَى قُتِلَ بِوَاحِدٍ وَوَجَبَ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِيَاتِ الْبَاقِينَ وَضَمَانُ الْكَفَّارَاتِ بِعَدَدِ مَنْ أَهْلَكَا، وَإِنْ كَانَ الِاصْطِدَامُ لَا يُعَدُّ مُهْلِكًا غَالِبًا وَقَدْ يُهْلِكُ فَشِبْهُ عَمْدٍ فَتَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ صَبِيَّيْنِ وَأَقَامَهُمَا الْوَلِيُّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي السَّفِينَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ مِنْ الصَّبِيَّيْنِ هُنَا هُوَ الْمُهْلِكُ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ كَانَتْ السَّفِينَتَانِ لَهُمَا وَ ‏(‏كَانَ فِيهِمَا مَالُ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏نِصْفُ ضَمَانِهِ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مَالِكِهِ وَهُوَ السَّفِينَةُ أَمْ لَا لِتَعَدِّيهِمَا، وَيَتَخَيَّرُ الْأَجْنَبِيُّ بَيْنَ أَخْذِ جَمِيعِ بَدَلِ مَالِهِ مِنْ أَحَدِ الْمَلَّاحِينَ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ مِنْهُ وَنِصْفَهُ مِنْ الْآخَر، فَإِنْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ رَقِيقَيْنِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِمَا ‏(‏وَإِنْ كَانَتَا لِأَجْنَبِيٍّ‏)‏ وَالْمَلَّاحَانِ فِيهِمَا أَمِينَيْنِ أَوْ أَجِيرَيْنِ لِلْمَالِكِ ‏(‏لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا‏)‏ لِأَنَّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُهْدَرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَتَخَيَّرُ كُلٌّ مِنْ الْمَالِكَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ قِيمَةِ سَفِينَتِهِ مِنْ مَلَّاحِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِنِصْفِهَا عَلَى الْمَلَّاحِ الْآخَرِ، أَوْ يَأْخُذُ نِصْفَهَا مِنْهُ وَنِصْفَهَا مِنْ الْمَلَّاحِ الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ رَقِيقَيْنِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ بِفِعْلِهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَصَّرَا فِي الضَّبْطِ، أَوْ سَيْرًا فِي رِيحٍ شَدِيدٍ، فَإِنْ حَصَلَ الِاصْطِدَامُ بِغَلَبَةِ الرِّيحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَظْهَرِ، بِخِلَافِ غَلَبَةِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ الضَّبْطَ ثَمَّ مُمْكِنٌ بِاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا بِيَمِينِهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي أَنَّهُمَا غُلِبَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا وَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا أَوْ فَرَّطَ دُونَ الْآخَرِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَرْبُوطَةً فَالضَّمَانُ عَلَى مُجْرِي السَّائِرَةِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ خَرَقَ شَخْصٌ سَفِينَتَهُ عَامِدًا خَرْقًا يُهْلِكُ غَالِبًا كَالْخَرْقِ الْوَاسِعِ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ فَغَرِقَ بِهِ إنْسَانٌ فَالْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْخَارِقِ، وَإِنْ خَرَقَهَا لِإِصْلَاحِهَا أَوْ لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا لَكِنْ لَا يُهْلِكُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَخَرَقَهَا أَوْ أَصَابَ بِالْآلَةِ غَيْرَ مَوْضِعِ الْإِصْلَاحِ فَخَطَأٌ مَحْضٌ، وَلَوْ ثُقِّلَتْ سَفِينَةٌ بِتِسْعَةِ أَعْدَالٍ فَأَلْقَى إنْسَانٌ فِيهَا عَاشِرًا عُدْوَانًا فَغَرِقَتْ بِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الْغَرَقَ حَصَلَ بِثِقَلِ الْجَمِيعِ وَهَلْ يَضْمَنُ النِّصْفَ أَوْ الْعُشْرَ‏؟‏ وَجْهَانِ‏:‏ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْجِلْدِ إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْعُشْرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ جَازَ طَرْحُ مَتَاعِهَا، وَيَجِبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ، فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ ضَمِنَهُ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ‏)‏ وَفِيهَا مَتَاعٌ وَرَاكِبٌ ‏(‏جَازَ‏)‏ لِرَاكِبِهَا ‏(‏طَرْحُ مَتَاعِهَا‏)‏ فِي الْبَحْرِ حِفْظًا لِلرُّوحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ طَرْحُ جَمِيعِ الْمَتَاعِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ غَرَقُهَا إلَّا بِهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِطَرْحِ بَعْضِهِ وَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ طَرْحُهُ ‏(‏لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ‏)‏ الْمُحْتَرَمِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ‏.‏ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ‏:‏ تَعْبِيرُهُ بِالْمَتَاعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءَ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ إلْقَاءُ الْحَيَوَانِ وَلَوْ مُحْتَرَمًا لِسَلَامَةِ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْغَرَقِ بِغَيْرِ إلْقَائِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَسْرَى مِنْ الْكُفَّارِ وَظَهَرَ لِلْأَمِيرِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قَتْلِهِمْ فَيَبْدَأُ بِإِلْقَائِهِمْ قَبْلَ الْأَمْتِعَةِ وَقَبْلَ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ أَيْضًا أَنْ يُرَاعِيَ فِي الْإِلْقَاءِ الْأَخَسَّ فَالْأَخَسَّ قِيمَةً مِنْ الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ إنْ أَمْكَنَ حِفْظًا لِلْمَالِ مَا أَمْكَنَ‏.‏ الثَّانِي لَا يَجُوزُ إلْقَاء الْأَرِقَّاءِ لِسَلَامَةِ الْأَحْرَارِ، بَلْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يُلْقِ مَنْ لَزِمَهُ الْإِلْقَاءُ حَتَّى غَرِقَتْ السَّفِينَةُ فَهَلَكَ بِهِ شَيْءٌ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُطْعِمْ مَالِكُ الطَّعَامِ الْمُضْطَرَّ حَتَّى مَاتَ‏.‏ الثَّالِثُ لَمْ يُمَيِّزْ الْمُصَنِّفُ حَالَةَ الْوُجُوبِ مِنْ حَالَةِ الْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ، إنْ كَانَ تَعْلِيلًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَيْفَ تَصْلُحُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الْوَاحِدَةُ لِلْجَوَازِ تَارَةً وَلِلْوُجُوبِ أُخْرَى‏؟‏‏.‏ وَإِنْ كَانَ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْجَوَازُ بِدُونِ ذَلِكَ‏؟‏ وَالْقِيَاسُ الْوُجُوبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ إنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي ذَلِكَ‏:‏ إنْ حَصَلَ هَوْلٌ خِيفَ مِنْهُ الْهَلَاكُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ جَازَ الْإِلْقَاءُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ بِالطَّرْحِ وَجَبَ‏.‏ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُمْ‏:‏ إنَّهُ يُطْرَحَ الْأَخَفُّ قِيمَةً وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ لِتَخْلِيصِ ذِي الرُّوحِ فَإِنَّهُ إنْ جُعِلَتْ الْحِيرَةُ فِي عَيْنِ الْمَطْرُوحِ لِلْمَلَّاحِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِ صَاحِبِهِ فَقَدْ لَا يَأْذَنُ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمَالِكِ فِي حَالِ الْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ، فَلَوْ كَانَتْ لِمَحْجُورٍ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهَا فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ وَيَجِبُ فِي مَحَلِّ الْوُجُوبِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً أَوْ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، أَوْ لِمُكَاتَبٍ، أَوْ لِعَبْدٍ مَأْذُونٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَجَبَ إلْقَاؤُهَا فِي مَحَلِّ الْوُجُوبِ وَامْتَنَعَ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، أَوْ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ، أَوْ السَّيِّدِ وَالْمَأْذُونِ وَالْغُرَمَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ أَلْقَى الْوَلِيُّ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ بَعْضَ أَمْتِعَةِ مَحْجُورِهِ لِيَسْلَمَ بِهِ بَاقِيهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ فِيمَا لَوْ خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ غَاصِبٍ عَلَى الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا لِتَخْلِيصِهِ جَوَازَهُ هُنَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ إلْقَاءُ الْمَالِ وَلَوْ مَالَهُ بِلَا خَوْفٍ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ ‏(‏فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ‏)‏ مِنْهُ وَلَوْ فِي حَالِ الْخَوْفِ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْجِئَهُ إلَى إتْلَافِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ بِأَنْ طَرَحَهُ بِإِذْنِهِ، أَوْ أَلْقَى مَالَ نَفْسِهِ، وَلَوْ اخْتَصَّ الْخَوْفُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ بِالشَّطِّ أَوْ بِزَوْرَقٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ ضَمَانَ لِلْإِذْنِ الْمُبِيحِ فِي الْأُولَى، وَلِإِلْقَائِهِ مَالَ نَفْسِهِ فِي الثَّانِيَة، وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَمَا مَرَّ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ حِينَئِذٍ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إذَا أَطْعَمَهُ مَالِكُ الطَّعَامِ قَهْرًا بِأَنَّ الْمُطْعِمَ ثَمَّ دَافِعٌ لِلتَّلَفِ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ الْمُلْقِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَلْقِ مَتَاعَك وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ضَمِنَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ شَخْصٌ لِآخَرَ فِي سَفِينَةٍ ‏(‏أَلْقِ مَتَاعَك‏)‏ فِي الْبَحْرِ ‏(‏وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ‏)‏ لَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْتَمِسِ فِيهَا شَيْءٌ وَلَمْ تَحْصُلْ النَّجَاةُ؛ لِأَنَّهُ الْتَمَسَ إتْلَافًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِعِوَضٍ فَيَلْزَمُهُ، كَمَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ وَعَلَيَّ كَذَا، أَوْ طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، أَوْ أَطْلِقْ الْأَسِيرَ، أَوْ اُعْفُ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك كَذَا فَأَجَابَ سُؤَالَهُ فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ الِافْتِدَاءُ مِنْ الْهَلَاكِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَطْعِمْ هَذَا الْجَائِعَ وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يُشِيرَ إلَى مَا يُلْقِيهِ، أَوْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يُلْقِيهِ بِحَضْرَتِهِ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَلْقِ فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ

الشَّرْحُ‏:‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ أَلْقَى الْمَتَاعَ شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ بَعْدَ الضَّمَانِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَدْعَى، وَكَذَا لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ، وَلَا بُدَّ فِي الضَّمَانِ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الِالْتِزَامِ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِلْقَاءِ لَمْ يَضْمَنُ ‏(‏وَلَوْ اقْتَصَرَ‏)‏ الْمُلْتَمِسُ ‏(‏عَلَى‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏أَلْقِ‏)‏ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ ‏(‏فَلَا‏)‏ ضَمَانَ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي فِيهِ الضَّمَانُ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ بَرِئَ قَطْعًا، وَالْإِلْقَاءُ قَدْ لَا يَنْفَعُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِإِلْقَاءِ مَالِهِ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ أَوْ لَا فَرْقَ‏؟‏‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ عَدَمُ الْفَرْقِ، لَكِنَّهُمْ فِي مَوَاضِعَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ لِخَوْفِ غَرَقٍ، وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَوْ أَلْقَى صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ بِلَا اسْتِدْعَاءٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرُّكْبَانِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِلْقَاءُ ‏(‏وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ‏)‏ مِنْ مَالِكِهِ طَرْحَ مَتَاعِهِ ‏(‏لِخَوْفِ غَرَقٍ‏)‏ لِلسَّفِينَةِ فَفِي حَالَةِ الْأَمْنِ لَا ضَمَانَ، سَوَاءٌ أَقَالَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ أَمْ لَا‏:‏ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ اهْدِمْ دَارَكَ أَوْ أَحْرِقْ مَتَاعَكَ فَفَعَلَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْخَوْفُ وَلَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي تَخْرِيجُ خِلَافٍ فِيهِ مِنْ تَنْزِيلِ الْمُتَوَقَّعِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الضَّمَانِ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِشَرْطِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي‏)‏ وَهُوَ مَالِكُ الْمَتَاعِ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الْغَرَقِ غَيْرُهُ، وَهَذَا صَادِقٌ بِسِتِّ صُوَرٍ‏:‏ الْأُولَى أَنْ يَخْتَصَّ النَّفْعُ بِالْمُلْتَمِسِ‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ أَنْ يَعُودَ لَهُ وَلِمَالِكِ الْمَتَاعِ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ أَنْ يَخْتَصَّ بِغَيْرِهِمَا‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَالِكِ الْمَتَاعِ وَأَجْنَبِيٍّ‏.‏ الْخَامِسَةُ‏:‏ أَنْ يَعُودَ لِلْمُلْتَمِسِ وَأَجْنَبِيٍّ‏.‏ السَّادِسَةُ‏:‏ أَنْ يَعُمَّ الثَّلَاثَةَ، وَفِي جَمِيعهَا يَضْمَنُ الْمُلْتَمِسُ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِالثَّانِيَةِ وَلَا السَّادِسَةِ، أَمَّا إذَا اخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي وَحْدَهُ بِأَنْ أَشْرَفَتْ سَفِينَتُهُ عَلَى الْغَرَقِ وَفِيهَا مَتَاعُهُ، فَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ الشَّطِّ أَلْقِ مَتَاعَكَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَأَلْقَاهُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِلْقَاءُ لِحِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عِوَضًا‏:‏ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْمُضْطَرِّ‏:‏ كُلْ طَعَامَكَ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَأَكَلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُلْتَمِسِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ‏:‏ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ، أَوْ عَلَى أَنِّي أَضْمَنُهُ أَنَا وَرُكَّابُهَا، أَوْ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ وَهُمْ ضَامِنُونَ، أَوْ أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ لَهُ كُلٌّ مِنَّا عَلَى الْكَمَالِ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ ضَامِنٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، أَوْ قَالَ‏:‏ أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ لَهُ لَزِمَهُ قِسْطُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ كُلٌّ مِنَّا بِالْحِصَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ ضَمَانٍ سَبَقَ مِنْهُمْ فَصَدَّقُوهُ فِيهِ لَزِمَهُمْ، وَإِنْ أَنْكَرُوا صُدِّقُوا، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنْشَأْتُ عَنْهُمْ الضَّمَانَ ثِقَةً بِرِضَاهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَإِنْ رَضُوا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُوقَفُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنَا وَهُمْ ضُمَنَاءُ وَضَمِنْتُ عَنْهُمْ بِإِذْنِهِمْ طُولِبَ بِالْجَمِيعِ، فَإِنْ أَنْكَرُوا الْإِذْنَ فَهُمْ الْمُصَدَّقُونَ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنَا وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهُ وَأُصَحِّحُهُ وَأُخَلِّصُهُ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِي لَزِمَهُ الْجَمِيعُ، كَمَا لَوْ قَالَ اخْتَلِعْهَا عَلَى أَلْفٍ أُصَحِّحُهَا لَكَ وَأَضْمَنُهَا لَكَ مِنْ مَالِهَا تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ الضَّمَانِ وَعَلَى فُلَانٍ ثُلُثُهُ وَعَلَى فُلَانٍ سُدُسُهُ لَزِمَهُ النِّصْفُ فَقَطْ لِأَنَّهُ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنَا وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهُ ثُمَّ بَاشَرَ الْإِلْقَاءَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ضَمِنَ الْجَمِيعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ نَصُّ الْأُمِّ، وَقِيلَ بِالْقِسْطِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِعَمْرٍو‏:‏ أَلْقِ مَتَاعَ زَيْدٍ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَفَعَلَ ضَمِنَ عَمْرٌو دُونَ الْآخَر لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَضْمُونِ أَهُوَ الْمِثْلُ وَلَوْ صُورَةً كَالْقَرْضِ أَوْ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَوْ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا‏؟‏ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُلْقَى حَيْثُ أَوْجَبْنَاهَا قُبَيْلَ هَيَجَانِ الْبَحْرِ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ فِي الْبَحْرِ مَعَ الْخَطَرِ كَقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَخِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْقَى مِثْلِيًّا وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا فِي إيجَابِ الْمِثْلِ مِنْ الْإِجْحَافِ، وَعَلَّلَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لِمُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ إلَّا مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ وَذَلِكَ بَعِيدٌ، وَجَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ بِالْوَسَطِ وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ ضَمِنَ الْآمِرُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَفَظَ الْبَحْرُ الْمَتَاعَ الْمُلْقَى فِيهِ عَلَى السَّاحِلِ فَظَفِرْنَا بِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَاسْتَرَدَّ الضَّامِنُ مِنْهُ عَيْنَ مَا أَعْطَى إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا مَا سِوَى الْأَرْشِ الْحَاصِلِ بِالْغَرَقِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ وَاضِحٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَادَ حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاتِهِ هُدِرَ قِسْطُهُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَاقِينَ الْبَاقِي، أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ فَخَطَأٌ أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ عَادَ‏)‏ أَيْ رَجَعَ ‏(‏حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ‏)‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ فِي الْأَشْهَرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ‏:‏ آلَةٌ تُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ، وَحُكِيَ كَسْرُ الْمِيمِ وَمَنْجَنُوقٍ بِالْوَاوِ وَمَنْجَلِيقٍ بِاللَّامِ، وَاخْتَلَفُوا فِي زِيَادَةِ مِيمِهِ وَنُونِهِ، فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلَى أَنَّ مِيمَهُ أَصْلِيَّةٌ وَنُونَهُ زَائِدَةٌ، وَلِذَلِكَ تَثْبُتُ فِي الْجَمْعِ ‏(‏فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاتِهِ‏)‏ وَكَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا ‏(‏هُدِرَ قِسْطُهُ‏)‏ مِنْ دِيَتِهِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ عُشْرُهَا ‏(‏وَعَلَى عَاقِلَةِ‏)‏ كُلٍّ مِنْ التِّسْعَةِ ‏(‏الْبَاقِينَ الْبَاقِي‏)‏ مِنْ دِيَتِهِ، وَهُوَ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ عُشْرُهَا لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِهِمْ فَسَقَطَ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ مَدّ مَعَهُمْ الْحِبَالَ وَرَمَى بِالْحَجَرِ، أَمَّا مَنْ أَمْسَكَ خَشَبَةُ الْمَنْجَنِيقِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْكِفَّةِ وَلَمْ يَمُدَّ الْحِبَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُبَاشِرُ غَيْرُهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ صَنَعَهُ رُفَقَاؤُهُ وَقَصَدُوا الرَّفِيقَ الْمَذْكُورَ لِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ وَغَلَبَتْ إصَابَتُهُمْ فَهُوَ عَمْدٌ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بَلْ هُوَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مُخْطِئٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ صَوَّرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَتَلَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ ‏(‏غَيْرَهُمْ‏)‏ أَيْ الرُّمَاةِ ‏(‏وَلَمْ يَقْصِدُوهُ‏)‏ أَيْ الْغَيْرَ ‏(‏فَخَطَأٌ‏)‏ قَتْلُهُ يُوجِبُ الدِّيَةَ الْمُخَفَّفَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏(‏أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ قَتْلُهُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ أَيْ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي مَالِهِمْ ‏(‏إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ‏)‏ مِنْهُمْ لِانْطِبَاقِهِ حِينَئِذٍ عَلَى حَدِّ الْعَمْدِ‏.‏

وَالثَّانِي شِبْهُ عَمْدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدُ مُعَيَّنٍ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ هَذَا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ عَمَّا إذَا لَمْ تَغْلِبْ إصَابَتُهُ بِأَنْ غَلَبَ عَدَمُهَا أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَإِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ قَصَدُوا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ الْجَمَاعَةِ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يَعْتَمِدُ قَصْدَ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ اُقْتُلْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ‏.‏

‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ‏]‏

المتن‏:‏

دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ، وَهُمْ عَصَبَتُهُ إلَّا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ وَقِيلَ يَعْقِلُ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ، وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ، ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَإِلَّا فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ وَكَذَا أَبَدًا، وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏(‏دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ‏)‏ فِي الْأَطْرَافِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا فِي نَفْسِ غَيْرِ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ، وَكَذَا الْحُكُومَاتُ وَالْغُرَّةُ ‏(‏تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ‏)‏ لَا الْجَانِيَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَذَكَرَهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مِنْ زِيَادَةِ الْكُتَّابِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فَقَطْ، وَلَوْ عَكَسَ كَانَ أَوْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُلَاقِي الْجَانِيَ أَوَّلًا، بَلْ يُلَاقِي الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَحَمَّلُونَهَا إعَانَةً لَهُ كَقَضَاءِ دَيْنِ مَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ‏.‏

قَالَ الْعُلَمَاءُ‏:‏ وَتَغْرِيمُ غَيْرِ الْجَانِي خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ، لَكِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَمْنَعُونَ مَنْ جَنَى مِنْهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يَدْنُوا مِنْهُ وَيَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ فَجَعَلَ الشَّارِعُ بَدَلَ تِلْكَ النُّصْرَةِ بَذْلَ الْمَالِ، وَخَصَّ ذَلِكَ بِالْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ لِكَثْرَتِهِمَا، سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ يَتَعَاطَى حَمْلَ السِّلَاحِ فَأُعِينَ كَيْ لَا يَفْتَقِرَ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ بِالْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ فَصَدَّقُوهُ وَإِنْ كَذَّبُوهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ يَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِذَا حَلَفُوا وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ، وَهَذَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ‏.‏ أَمَّا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ‏.‏ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ‏.‏ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَقَتَلَ خَطَأً تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ كَالْخَطَإِ فِي ذَلِكَ، وَجِهَاتُ تَحَمُّلِ الدِّيَةِ ثَلَاثَةٌ‏:‏ قَرَابَةٌ وَوَلَاءٌ وَبَيْتُ مَالٍ لَا غَيْرُهَا كَزَوْجِيَّةٍ وَمُحَالَفَةٍ وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ‏.‏ وَلَا الْعَدِيدُ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ جِهَاتِ التَّحَمُّلِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَهُمْ عَصَبَتُهُ‏)‏ أَيْ الْجَانِي الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِالنَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ لِمَا فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ أَوَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي رِوَايَةٍ، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَاتِهَا‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ، وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ‏.‏ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ وَإِنْ أَيْسَرَا لَا يَحْمِلَانِ شَيْئًا، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ عِنْدِي ا هـ‏.‏

ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَصْلَ الْجَانِي وَفَرْعَهُ، فَقَالَ ‏(‏إلَّا الْأَصْلَ‏)‏ مِنْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏الْفَرْعَ‏)‏ مِنْ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ، فَكَمَا لَا يَتَحَمَّلُ الْجَانِي لَا يَتَحَمَّلُ أَبْعَاضُهُ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ ‏{‏لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَيْ جَرِيمَةِ ابْنِهِ‏}‏ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ ‏"‏ وَبَرَّأَ الْوَلَدَ ‏"‏ أَيْ مِنْ الْعَقْلِ، وَقِيسَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ ‏(‏وَقِيلَ يَعْقِلُ‏)‏ عَنْ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ ‏(‏ابْنٌ‏)‏ لَهَا ‏(‏هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا‏)‏ أَوْ ابْنُ مُعْتِقِهَا كَمَا يَلِي نِكَاحَهَا، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ مَوْجُودَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ أَنَّ الْبُنُوَّةَ هُنَا مَانِعَةٌ وَهُنَاكَ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٍ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى عَمِلَ عَمَلَهُ ‏(‏وَيُقَدَّمُ‏)‏ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مِنْ الْعَصَبَةِ ‏(‏الْأَقْرَبُ‏)‏ فَالْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ مِنْهُمْ، وَالْأَقْرَبُ الْأُخُوَّةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا ‏(‏فَإِنْ‏)‏ لَمْ يُوفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ بِأَنْ ‏(‏بَقِيَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏شَيْءٌ فَمَنْ‏)‏ أَيْ فَيُوَزَّعُ الْبَاقِي عَلَى مَنْ ‏(‏يَلِيهِ‏)‏ الْأَقْرَبُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَلِيهِ وَهَكَذَا ‏(‏وَ‏)‏ يُقَدَّمُ مِمَّنْ ذُكِرَ ‏(‏مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ‏)‏ عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ عَلَى الْجَدِيدِ كَالْإِرْثِ ‏(‏وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ‏)‏ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ إنْ فُقِدُوا أَوْ لَمْ يُوَفَّ مَا عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ فِي الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُ ‏(‏مُعْتِقٌ‏)‏ ذَكَرٌ لِخَبَرِ ‏{‏الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ‏}‏ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ أَوْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ تُقَدَّمُ ‏(‏عَصَبَتُهُ‏)‏ مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا مَرَّ فِي أَصْلِ الْجَانِي، وَفَرْعُهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ‏"‏ أَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ‏"‏ لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهَا دُونَ ابْنِهَا الزُّبَيْرِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَقِيسَ بِالِابْنِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ يَتَحَمَّلُ فَهُمَا كَالْمُعْتِقِ لَا كَالْجَانِي وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَانِي بِأَصْلِيَّةٍ وَلَا فَرْعِيَّةٍ‏.‏ وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُعْتِقِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجِنَايَةِ، وَيَكْفِي هَذَا إسْنَادُهُ لِلْمَنْقُولِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ مُشْكِلٌ ‏(‏ثُمَّ مُعْتِقُهُ‏)‏ أَيْ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ ‏(‏ثُمَّ عَصَبَتُهُ‏)‏ كَذَلِكَ وَهَكَذَا مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ عَلَى مَا مَرَّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقٌ وَلَا عَصَبَةٌ ‏(‏فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ‏)‏ مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ ‏(‏ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ‏)‏ غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَعَبَّرَ الْمُحَرَّرُ بِثُمَّ، وَهُوَ أَوْلَى ‏(‏وَكَذَا أَبَدًا‏)‏ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقُ الْأَبِ وَلَا عَصَبَتُهُ يَتَحَمَّلُ مُعْتِقُ الْجَدِّ ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي كَالْإِرْثِ، وَيُفَارِقُ الْأَخْذُ مِنْ الْبَعِيدِ إذَا لَمْ يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ الْإِرْثَ حَيْثُ يَحُوزُهُ الْأَقْرَبُ بِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِمِيرَاثِ الْعَصَبَةِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ هُنَا فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعِهِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

حَيْثُ ضَرَبْنَا عَلَى الْمُعْتِقِ فَبَقِيَ شَيْءٌ يُضْرَبُ عَلَى عَصَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الصَّغِيرِ بِرُجْحَانِ عَدَمِ الضَّرْبِ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْقِيَاسُ ‏(‏وَعَتِيقُهَا‏)‏ أَيْ الْمَرْأَةِ الْجَانِي ‏(‏يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا‏)‏ وَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَقْلَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهَا مَنْ يَتَحَمَّلُ جِنَايَتَهَا مِنْ عَصَبَاتِهَا كَمَا يُزَوِّجُ عَتِيقَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا إلْحَاقًا لِلْعَقْلِ بِالتَّزْوِيجِ لِعَجْزِهَا عَنْ الْأَمْرَيْنِ ‏(‏وَمُعْتِقُونَ‏)‏ فِي تَحَمُّلِهِمْ جِنَايَةَ عَتِيقِهِمْ ‏(‏كَمُعْتِقٍ‏)‏ وَاحِدٍ فِيمَا عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِجَمِيعِهِمْ لَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ ‏(‏وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ‏)‏ فِي حَيَاتِهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَلَّا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَحْمِلُهُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمْ تَوَزُّعَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلَا يَرِثُونَ الْوَلَاءَ مِنْ الْمَيِّتِ بَلْ يَرِثُونَ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِكَوْنِ الْمُعْتِقِ جَمْعًا، فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا وَمَاتَ عَنْهُ إخْوَةٌ مَثَلًا ضُرِبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ الْمَيِّتُ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِ، فَإِنْ فُقِدَ فَكُلُّهُ عَلَى الْجَانِي فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ‏)‏ عَنْ مُعْتِقِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَمَا لَا يَرِثُ، وَالثَّانِي يَعْقِلُ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لِلنُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ، وَالْعَتِيقُ أَوْلَى بِهِمَا‏.‏ أَمَّا عَصَبَةُ الْعَتِيقِ فَلَا تَعْقِلُ عَنْ مُعْتِقِهِ قَطْعًا ‏(‏فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ‏)‏ مِمَّنْ ذُكِرَ ‏(‏أَوْ‏)‏ وُجِدَ، وَ ‏(‏لَمْ يَفِ‏)‏ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ ‏(‏عَقَلَ‏)‏ ذَوُو الْأَرْحَامِ إنْ قُلْنَا بِتَوْرِيثِهِمْ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرَائِضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ ذَكَرًا غَيْرَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ، فَإِنْ انْتَظَمَ عَقَلَ ‏(‏بَيْتُ الْمَالِ عَنْ‏)‏ الْجَانِي ‏(‏الْمُسْلِمِ‏)‏ كَمَا يَرِثُهُ، وَلِخَبَرِ ‏{‏أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ‏}‏ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ‏.‏ وَالْمُسْلِمُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُعَاهِدِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَا لَهُمْ فَيْئًا، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَا لَهُمْ مُؤَجَّلَةً، فَإِنْ مَاتُوا حَلَّتْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَقْلِ بَيْتِ الْمَالِ اللَّقِيطُ إذَا جُنِيَ عَلَى نَفْسِهِ خَطَأً وَفُقِدَتْ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ، فَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَابِ اللَّقِيطِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ لِتُعَادَ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ كَذَلِكَ ‏(‏فَإِنْ فُقِدَ‏)‏ بَيْتُ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُهُ بِحَيْلُولَةِ الظَّلَمَةِ دُونَهُ أَوْ لَمْ يَفِ ‏(‏فَكُلُّهُ‏)‏ أَيْ الْوَاجِبِ أَوْ الْبَاقِي مِنْهُ ‏(‏عَلَى الْجَانِي فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ‏:‏ أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْمِلُ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مَتَى وُزِّعَ الْوَاجِبُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَفَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْجَانِي مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ كَالْعَاقِلَةِ، وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي صُوَرٍ أُخَرُ، مِنْهَا مَا لَوْ جَرَحَ ابْنُ عَتِيقَةٍ أَبُوهُ رَقِيقٌ شَخْصًا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِهِ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَعَلَى الْجَانِي لِحُصُولِ السِّرَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَهُ، لَا عَلَى مَوَالِي أَبِيهِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ عَلَى الِانْجِرَارِ، وَلَا عَلَى مَوَالِي أُمِّهِ لِانْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْهُمْ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَلَا بَيْتِ الْمَالِ لِوُجُودِ جِهَةِ الْوَلَاءِ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِأَنْ سَاوَى أَرْشُ الْجُرْحِ الدِّيَةَ‏:‏ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ الْجُرْحَ حِينَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ يُوجِبُ هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجَارِحُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ عِتْقِ أَبِيهِ وَمَاتَ الْجَرِيحُ سِرَايَةً مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ لَزِمَ مَوَالِيَ الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَلَزِمَ مَوَالِيَ الْأَبِ بَاقِيَ الدِّيَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ شَخْصًا خَطَأً وَمَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ مَا يَخُصُّ الْجُرْحَ وَبَاقِي الدِّيَةِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَأَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ، وَلَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجَارِحُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ إسْلَامِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ أَرْشُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بَاقِي الدِّيَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ رَمَى شَخْصٌ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ تَخَلَّلَتْ مِنْهُ رِدَّةٌ أَوْ إسْلَامٌ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ مَعَ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ‏.‏

المتن‏:‏

وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏)‏ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْقَاضِي ‏(‏دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ‏)‏ بِإِسْلَامٍ وَحُرِّيَّةٍ وَذُكُورِيَّةٍ ‏(‏ثَلَاثَ سِنِينَ‏)‏ بِنَصْبِ ثَلَاثٍ ‏(‏فِي‏)‏ آخِرِ ‏(‏كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ‏)‏ مِنْ الدِّيَةِ‏.‏ أَمَّا كَوْنُهَا فِي ثَلَاثٍ فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعَزَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى قَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثًا فَتَوْزِيعًا لَهَا عَلَى السِّنِينَ الثَّلَاثِ‏.‏ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْفَوَائِدَ كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَاعْتُبِرَ مُضِيُّهَا لِيَجْتَمِعَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ فَيُوَاسُونَ عَنْ تَمَكُّنٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ تُؤَجَّلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْجِيلٍ بِضَرْبِ الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَاقِلَةِ يُخْرِجُ بَيْتَ الْمَالِ وَالْجَانِيَ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِتَأْجِيلِهَا عَلَى الْجَانِي إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ إلَّا فِي أَمْرَيْنِ‏:‏ أَحَدِهِمَا‏:‏ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عِنْدَ الْحَوْلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُطَالَبُ إلَّا بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعٍ‏.‏ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يَحِلُّ الْأَجَلُ عَلَى الْأَصَحِّ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَالْوُجُوبُ عَلَى الْجَانِي سَبِيلُهُ صِيَانَةُ الْحَقِّ مِنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَسْقُطُ كَيْ لَا يَضِيعَ‏.‏

المتن‏:‏

وَذِمِّيٍّ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثًا، وَامْرَأَةٍ سَنَتَيْنِ فِي الْأُولَى ثُلُثٌ، وَقِيلَ ثَلَاثًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي مَعْنَى تَأْجِيلِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَوْنَهَا بَدَلَ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَأَنَّ مُقَابَلَةَ كَوْنِهَا بَدَلَ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ أَشَارَ إلَى مَسَائِلَ تَظْهَرُ فِيهَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ، فَقَالَ ‏(‏وَ‏)‏ تُؤَجَّلُ دِيَةُ ‏(‏ذِمِّيٍّ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏سَنَةً‏)‏ لِأَنَّهَا قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ مُسْلِمٍ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تُؤَجَّلُ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ تُؤَجَّلُ دِيَةُ ‏(‏امْرَأَةٍ‏)‏ مُسْلِمَةٍ ‏(‏سَنَتَيْنِ فِي‏)‏ آخِرِ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏ثُلُثٌ‏)‏ مِنْ دِيَةِ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَالْبَاقِي آخِرَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تُؤَجَّلُ دِيَتُهَا ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ، فَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ فِي ثَلَاثٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ‏)‏ أَيْ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرِّ، لَكِنْ بِقِيمَتِهِ خَطَأً وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ وَتَعَلَّقَ قِصَاصٌ وَكَفَّارَةٌ فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَالثَّانِي لَا تَحْمِلُهُ بَلْ هِيَ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ فَأَقَلَّ ضُرِبَتْ فِي سَنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ ‏(‏فَفِي‏)‏ آخِرِ ‏(‏كُلِّ سَنَةٍ‏)‏ يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ ‏(‏قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ‏)‏ كَامِلَةٍ نَظَرًا إلَى الْمِقْدَارِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تُؤْخَذُ كُلُّهَا ‏(‏فِي ثَلَاثٍ‏)‏ مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ اخْتَلَفَ الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ فِي قِيمَتِهِ صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ لِكَوْنِهِمْ غَارِمِينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَفِي ثَلَاثٍ، وَقِيلَ سِتٌّ، وَالْأَطْرَافُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ كُلُّهَا فِي سَنَةٍ وَأَجَلُ النَّفْسِ مِنْ الزُّهُوقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِنَايَةِ، وَمَنْ مَاتَ فِي بَعْضِ سَنَةٍ سَقَطَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَتَلَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏رَجُلَيْنِ‏)‏ مَثَلًا كَامِلَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا ‏(‏فَفِي‏)‏ أَيْ فَتُؤَجَّلُ دِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ‏(‏ثَلَاثٍ‏)‏ مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دِيَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَالْمُسْتَحِقُّ يَخْتَلِفُ، فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ وَاحِدٍ بِاسْتِحْقَاقِ آخَرَ كَالدُّيُونِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ آجَالِهَا ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تُؤَجَّلُ دِيَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي ‏(‏سِتٍّ‏)‏ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ سُدُسِ دِيَةٍ لِأَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ يُضْرَبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيُزَادُ لِلْأُخْرَى مِثْلُهَا وَفِي عَكْسِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَتَلَ اثْنَانِ وَاحِدًا وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فِي سَنَتَيْنِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمُسْتَحِقِّ‏.‏ وَالثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا كُلَّ سَنَةٍ ثُلُثُ مَا يَخُصُّهُ كَجَمِيعِ الدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ امْرَأَتَيْنِ أُجِّلَتْ دِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي سَنَتَيْنِ لِمَا مَرَّ ‏(‏وَالْأَطْرَافُ‏)‏ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالْحُكُومَاتُ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ تُؤَجَّلُ ‏(‏فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرَ ثُلُثِ دِيَةٍ‏)‏ كَامِلَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثُلُثَيْهَا ضُرِبَ فِي سَنَتَيْنِ وَأُخِذَ قَدْرُ الثُّلُثِ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ زَادَ‏:‏ أَيْ الْوَاجِبُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ ضُرِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِي سِتِّ سِنِينَ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تُؤْخَذُ ‏(‏كُلُّهَا فِي سَنَةٍ‏)‏ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلَ نَفْسٍ حَتَّى تُؤَجَّلَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْأَرْشُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ دُونَهُ ضُرِبَ فِي سَنَةٍ قَطْعًا، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْأَطْرَافِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ تُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَدِيَةِ النَّفْسِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ‏(‏وَأَجَلُ‏)‏ دِيَةِ ‏(‏النَّفْسِ‏)‏ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ ‏(‏مِنْ الزُّهُوقِ‏)‏ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ ‏(‏وَ‏)‏ أَجَلُ دِيَةِ ‏(‏غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ النَّفْسِ كَقَطْعِ يَدٍ انْدَمَلَ ‏(‏مِنْ‏)‏ ابْتِدَاءِ ‏(‏الْجِنَايَةِ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا حَالَةُ الْوُجُوبِ فَأُنِيطَ الِابْتِدَاءُ بِهَا كَمَا نِيطَ بِحَالَةِ الزَّهُوقِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ وَجَبَ دِيَتُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُطَالَبُ بِبَدَلِهَا إلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْدَمِلْ بِأَنْ سَرَى مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ‏:‏ كَأَنْ قُطِعَ أُصْبُعُهُ فَسَرَتْ إلَى كَفِّهِ فَأَجَلُ أَرْشِ الْأُصْبُعِ مِنْ قَطْعِهَا وَالْكَفِّ مِنْ سُقُوطِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ‏(‏وَمَنْ مَاتَ‏)‏ مِنْ الْعَاقِلَةِ ‏(‏فِي بَعْضِ‏)‏ أَيْ فِي أَثْنَاءِ ‏(‏سَنَةٍ سَقَطَ‏)‏ مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ كَالزَّكَاةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فِي بَعْضِ سَنَةٍ عَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا يَسْقُطُ وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، وَهِيَ خَمْسٌ‏:‏ الذُّكُورَةُ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ‏.‏ أَمَّا الصِّفَةُ الْأُولَى فَقَدْ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ سَابِقًا‏:‏ وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، أَيْ لَا هِيَ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَعْقِلْ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، فَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا هَلْ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ لَعَلَّ أَصَحَّهُمَا نَعَمْ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي شَاهِدِ النِّكَاحِ وَوَلِيِّهِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي سَتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ بِالْقُوَّةِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَة فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ‏)‏ وَلَوْ كَسُوبًا لِأَنَّ الْعَقْلَ مُوَاسَاةٌ، وَلَيْسَ الْفَقِيرُ مِنْ أَهْلِهَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ، فَهَلَّا كَانَ مِثْلَ هَذَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَوْضُوعَةٌ لِحَقْنِ الدَّمِ وَلِإِقْرَارِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ عِوَضًا، وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يَعْقِلُ ‏(‏رَقِيقٌ‏)‏ وَلَوْ مُكَاتَبًا، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا مُوَاسَاةَ، وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ مَلَكَ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَلْحَقَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُبَعَّضَ بِالْمُكَاتَبِ لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يَعْقِلُ ‏(‏صَبِيٌّ وَ‏)‏ لَا ‏(‏مَجْنُونٌ‏)‏ لِأَنَّ مَبْنَى الْعَقْلِ عَلَى النُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ فِيهِمَا لَا بِالْعَقْلِ وَلَا بِالرَّأْيِ، بِخِلَافِ الزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى فَإِنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ لِأَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ وَالْمُطْبِقِ، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ فِيمَا إذَا كَانَ يُجَنُّ فِي الْعَامِ يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ هُوَ آخِرُ السَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يَعْقِلُ ‏(‏مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَوَارُثَ فَلَا مُنَاصَرَةَ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَالْإِرْثِ، إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِي لَا، لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَتَعَاقَلُ ذِمِّيٌّ وَمُعَاهِدٌ إنْ زَادَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ عَلَى مُدَّةِ الْأَجَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَصَتْ عَنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ سَاوَتْهَا تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضَى، وَيَكْفِي فِي تَحَمُّلِ كُلِّ حَوْلٍ عَلَى انْفِرَادِهِ زِيَادَةُ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحَمُّلِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِنَا، وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَعَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، وَقِيلَ هُوَ وَاجِبُ الثَّلَاثِ، وَيُعْتَبَرَانِ آخِرَ الْحَوْلِ، وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ سَقَطَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَقَالَ ‏(‏وَعَلَى الْغَنِيِّ‏)‏ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ ‏(‏نِصْفُ دِينَارٍ‏)‏ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ، وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا ضَابِطَ لَهَا ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏الْمُتَوَسِّطِ‏)‏ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ‏.‏ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ دُونَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قَدْرَهَا، وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ لِئَلَّا يَبْقَى فَقِيرًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ بِهِ الْغَنِيُّ لِئَلَّا يَبْقَى مُتَوَسِّطًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ ‏(‏رُبُعٌ‏)‏ مِنْ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْغَنِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَلَمْ نُجِزْ إلْحَاقَهُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ إفْرَاطٌ أَوْ تَفْرِيطٌ فَتَوَسَّطَ فِيهِ بِرُبُعِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ عَنْهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ضَبَطْنَا بِهِ الْغَنِيَّ وَالْمُتَوَسِّطَ هُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي بِالْعُرْفِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَكَوْنُ الْغَنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّينَارِ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ لَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ نَاصٌّ وَلَا خَبَرٌ، لَكِنَّهُمْ رَاعَوْا مَعْنَى الْمُوَاسَاةِ، وَيَجِبُ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ ‏(‏كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ‏)‏ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِهِ كَالزَّكَاةِ، فَجَمِيعُ مَا يَلْزَمُ الْغَنِيَّ فِي الثَّلَاثِ سِنِينَ دِينَارٌ وَنِصْفٌ، وَالْمُتَوَسِّطَ نِصْفٌ وَرُبُعٌ ‏(‏وَقِيلَ هُوَ‏)‏ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ ‏(‏وَاجِبُ الثَّلَاثِ‏)‏ أَخَذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ‏:‏ إنَّ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ يَحْمِلُ إذَا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ نِصْفَ دِينَارٍ، وَمَنْ كَانَ دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ، لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا وَلَا يُنْقَصُ، وَعَلَى هَذَا يُؤَدِّي الْغَنِيُّ كُلَّ سَنَةٍ سُدُسَ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطُ نِصْفَ سُدُسٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَثُرَتْ الْعَاقِلَةُ أَوْ قَلَّ الْوَاجِبُ نَقَصَ الْقِسْطُ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ، وَإِنْ قَلُّوا أَوْ كَثُرَ الْوَاجِبُ لَمْ يَزِدْ الْقِسْطُ لِتَضَرُّرِهِمْ بِذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا اُعْتُبِرَ مِقْدَارُ نِصْفِ الدِّينَارِ وَرُبُعِهِ لَا عَيْنُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَمَا يُؤْخَذُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ نِصْفٍ وَرُبُعٍ يُصْرَفُ إلَيْهَا، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ لَا يَأْخُذَ غَيْرَهَا لِمَا مَرَّ، وَالدَّعْوَى بِالدِّيَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ عَلَى الْجَانِي نَفْسِهِ، ثُمَّ هُمْ يَدْفَعُونَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيهِ أَيْضًا ‏(‏وَ‏)‏ الْغَنِيُّ الْمُتَوَسِّطُ ‏(‏يُعْتَبَرَانِ آخِرَ الْحَوْلِ‏)‏ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَوْلِ عَلَى جِهَةِ الْمُوَاسَاةِ فَاعْتُبِرَ بِآخِرَةِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يُؤْثَرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَلَوْ أَيْسَرَ آخِرَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ ثُمَّ أَعْسَرَ ثَبَتَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ‏(‏وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ‏)‏ أَيْ آخِرِ الْحَوْلِ ‏(‏سَقَطَ‏)‏ أَرَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ لِسُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى حَلَفَ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِغِنَاهُ، وَمَنْ كَانَ أَوَّلَ الْحَوْلِ نَاقِصًا بِرِقٍّ، أَوْ كُفْرٍ، أَوْ جُنُونٍ، أَوْ صِبًا، وَصَارَ فِي آخِرِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنُّصْرَةِ بِالْبَدَنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُكَلَّفُونَ النُّصْرَةَ بِالْمَالِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَالْمُعْسِرُ كَامِلٌ أَهْلٌ لِلنُّصْرَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَالُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ‏.‏

‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ‏]‏

المتن‏:‏

مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَلِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لَهَا، وَفِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِهَا وَفِي الْقَدِيمِ بِأَرْشِهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ فَدَاهُ، وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْفِدَاءِ بَاعَهُ فِيهِمَا أَوْ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ، وَفِي الْقَدِيمِ بِالْأَرْشَيْنِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ وَصَحَّحْنَاهُمَا أَوْ قَتَلَهُ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَجِبُ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ شَرَعَ فِيمَا يَجِبُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ‏:‏ ‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ ‏(‏مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ‏)‏ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ عَمْدٍ أَوْ عَمْدًا وَعَفَا عَلَى مَالٍ ‏(‏يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، إذْ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ مَعَ بَرَاءَتِهِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَى عِتْقِهِ لِلْأَضْرَارِ بِالْمُسْتَحِقِّ، بِخِلَافِ مُعَامَلَةِ غَيْرِهِ لَهُ لِرِضَاهُ بِذِمَّتِهِ، فَلْتُعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ طَرِيقٌ وَسَطٌ فِي رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الْحُرِّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَفَارَقَ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُهَا مَالِكُهَا إذَا قَصَّرَ؛ لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ اخْتِيَارًا‏.‏ تَنْبِيهُ‏:‏ مَعْنَى التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ أَنْ يُبَاعَ، وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ إلَى الْجِنَايَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ السَّيِّدِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِدَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ جِنَايَةُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي يُعْتَقَدُ طَاعَةُ آمِرِهِ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّهْنِ، وَالْمُبَعَّضُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبِ جِنَايَتِهِ بِنِسْبَةِ حُرِّيَّتِهِ وَبَاقِيهِ مِنْ الرِّقِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَاقِي وَاجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حِصَّتَيْ وَاجِبِهَا وَالْقِيمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ‏(‏وَلِسَيِّدِهِ‏)‏ وَلَوْ بِنَائِبِهِ ‏(‏بَيْعُهُ لَهَا‏)‏ أَيْ الْجِنَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَلَهُ تَسْلِيمُهُ لِيُبَاعَ فِيهَا، وَلَا يُبَاعُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ ضَرُورَةٍ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضَهُ، وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا إنْ كَانَ أَقَلَّ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ‏.‏ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُسْتَحِقُّ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبِ انْفَكَّ مِنْ الْعَبْدِ بِقَسْطِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا‏.‏ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ بِالْمَرْهُونِ دُونَ تَعَلُّقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ الْجَعْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ أَيْضًا ‏(‏فِدَاؤُهُ‏)‏ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَيَفْدِيهِ فِي الْجَدِيدِ ‏(‏بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِهَا‏)‏ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ الْقِيمَةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ بَدَلُهَا، أَوْ الْأَرْشِ فَهُوَ الْوَاجِبُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَمَا حُكِيَ عَنْ النَّصِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِتَوَجُّهِ طَلَبِ الْفِدَاءِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَوْمَ تَعَلُّقِهَا، وَاعْتَبَرَ الْقَفَّالُ يَوْمَ الْفِدَاءِ، لَا النَّقْصَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَحُمِلَ النَّصُّ عَلَى مَا لَوْ مَنَعَ بَيْعَهُ حَالَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ وَشَرْحِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُوَ الْمُتَّجَهُ ‏(‏وَفِي الْقَدِيمِ‏)‏ يَفْدِيهِ ‏(‏بِأَرْشِهَا‏)‏ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ رُبَّمَا بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَالْجَدِيدُ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاحْتِمَالُ ‏(‏وَلَا يَتَعَلَّقُ‏)‏ مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ ‏(‏بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَإِلَّا لَمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَدُيُونِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ لَا يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ‏.‏ وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالرَّقَبَةُ مَرْهُونَةٌ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ الثَّمَنُ بِهِ طُولِبَ الْعَبْدُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِالرَّقَبَةِ بِأَنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَقَرَّ بِهَا السَّيِّدُ‏.‏

فَأَمَّا لَوْ تَعَذَّرَ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهَا الْعَبْدُ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَى عَبْدٍ خَطَأً قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَقَالَ الْعَبْدُ‏:‏ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ لَزِمَ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ وَالتَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنْ لَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ التَّعَلُّقِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ اطَّلَعَ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى لُقَطَةٍ فِي يَدِهِ وَأَقَرَّهَا عِنْدَهُ أَوْ أَهْمَلَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ فَأَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ وَسَائِرُ أَمْوَالِ السَّيِّدِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

حَمْلُ الْجَانِيَةِ لِلسَّيِّدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَرْشُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَمْ حَدَثَ بَعْدَهَا فَلَا تُبَاعُ حَتَّى تَضَعَ إذْ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ السَّيِّدِ عَلَى بَيْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا بِيعَا مَعًا وَأَخَذَ السَّيِّدُ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَأَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ ‏(‏وَلَوْ فَدَاهُ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏ثُمَّ جَنَى‏)‏ بَعْدَ الْفِدَاءِ ‏(‏سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ‏)‏ أَيْ لِيُبَاعَ أَوْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ ‏(‏أَوْ فَدَاهُ‏)‏ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَيْرُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ ‏(‏وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْفِدَاءِ بَاعَهُ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْجِنَايَتَيْنِ، أَوْ سَلَّمَهُ لِيُبَاعَ فِيهِمَا، وَوَزَّعَ ثَمَنَهُ عَلَيْهِمَا ‏(‏أَوْ فَدَاهُ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ‏)‏ عَلَى الْجَدِيدِ ‏(‏وَفِي الْقَدِيمِ بِالْأَرْشَيْنِ‏)‏ لِمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، فَإِنْ مُنِعَ لَزِمَهُ أَنْ يَفْدِيَ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جِنَايَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْجِنَايَتَيْنِ، مَحَلُّهُ أَنْ يَتَّحِدَا فَلَوْ جَنَى خَطَأً ثُمَّ قَتَلَ عَمْدًا وَلَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ، وَلَا عَفَا صَاحِبُ الْعَمْدِ، فَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْخَطَإِ وَحْدَهُ، وَلِصَاحِبِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ كَمَنْ جَنَى خَطَأً ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّا نَبِيعُهُ ثُمَّ نَقْتُلُهُ بِالرِّدَّةِ إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَ الْمُعَلِّقُ عَنْهُ‏:‏ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِتَعَلُّقِ الْقَوَدِ بِهِ فَعِنْدِي أَنَّ الْقَوَدَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِصَاحِبِهِ‏:‏ إنَّ صَاحِبَ الْخَطَإِ قَدْ مَنَعَكَ فَلَوْ أَقَدْنَاكَ لَأَبْطَلْنَا حَقَّهُ فَأَعْدَلُ الْأُمُورِ أَنْ تَشْتَرِكَا فِيهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِتَرْكِ الْقَوَدِ، كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ ‏(‏وَلَوْ أَعْتَقَهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدَ الْجَانِيَ ‏(‏أَوْ بَاعَهُ‏)‏ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُمَا فَظَاهِرُ حُكْمِهِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ ‏(‏صَحَّحْنَاهُمَا‏)‏ أَيْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَالْبَائِعُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَهُوَ فِي الْأُولَى رَاجِحٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَرْجُوحٌ ‏(‏أَوْ قَتَلَهُ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏فَدَاهُ‏)‏ حَتْمًا ‏(‏بِالْأَقَلِّ‏)‏ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَحَلَّ حَقِّهِ، ثُمَّ أَشَارَ لِطَرِيقَةٍ حَاكِيَةٍ لِلْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ السَّابِقَيْنِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ فِي فِدَائِهِ ‏(‏الْقَوْلَانِ‏)‏ السَّابِقَانِ ، وَمَا رَجَّحَهُ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَطْعِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَجَزَمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي بِطَرِيقَةِ الْخِلَافِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ بَرِئَ سَيِّدُهُ إلَّا إذَا طُلِبَ فَمَنَعَهُ، وَلَوْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَتَسْلِيمَهُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ هَرَبَ‏)‏ الْعَبْدُ الْجَانِي ‏(‏أَوْ مَاتَ‏)‏ قَبْلَ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ ‏(‏بَرِئَ سَيِّدُهُ‏)‏ مِنْ عُهْدَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ ‏(‏إلَّا إذَا طُلِبَ‏)‏ مِنْهُ تَسْلِيمُهُ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ ‏(‏فَمَنَعَهُ‏)‏ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ، بَلْ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِتَعَدِّيهِ بِالْمَنْعِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِقٌ بِأَنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَلِمَ السَّيِّدُ مَوْضِعَ الْعَبْدِ الْهَارِبِ وَأَمْكَنَهُ رَدُّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ أَجْنَبِيٌّ قَتْلًا يُوجِبُ مَالًا بِأَنْ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ يُوجِبُ قِصَاصًا وَعَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَتْ جِنَايَاتُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، فَإِذَا أُخِذَتْ سَلَّمَهَا السَّيِّدُ أَوْ بَدَلَهَا مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ السَّيِّدُ بَلْ اقْتَصَّ وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ‏.‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ لَزِمَهُ الْفِدَاءُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَقَرَّاهُ، وَهَذَا مَا قَالَهُ شَيْخِي مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ‏.‏ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرْهُونِ إذَا قُتِلَ وَاقْتَصَّ السَّيِّدُ ‏(‏وَلَوْ اخْتَارَ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏الْفِدَاءَ فَالْأَصَحُّ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ وَهُوَ أَوْلَى ‏(‏أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ‏)‏ عَنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ أَنَّ عَلَيْهِ ‏(‏تَسْلِيمَهُ‏)‏ حِينَئِذٍ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَلَا أَثَرَ لَهُ، وَالْيَأْسُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ بَيْعِهِ‏.‏ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ وَتَسْلِيمَهُ بَقَاءُ الْعَبْدِ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ قَطْعًا، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إذَا كَانَ بَاقِيًا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الرُّجُوعِ وَيَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنَا أُسَلِّمُهُ وَأَغْرَمُ النَّقْصَ قُبِلَ، وَمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِتَأْخِيرِ بَيْعِهِ تَأْخِيرٌ يَضُرُّ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ حَصَلَ وَلِلسَّيِّدِ مَالٌ غَيْرُهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَطْعًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْفِدَاءِ لَزِمَهُ الْفِدَاءُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الِاخْتِيَارَ الْفِعْلِيَّ كَأَنْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْجَانِيَةَ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَتَسْلِيمَهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى اسْمِ أَنَّ، وَالْمَعْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ خَبَرِ أَنَّ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَفْدِي أُمَّ وَلَدِهِ بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ، وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَفْدِي‏)‏ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ السَّيِّدُ وُجُوبًا ‏(‏أُمَّ وَلَدِهِ‏)‏ الْجَانِيَةَ حَتْمًا ‏(‏بِالْأَقَلِّ‏)‏ مِنْ قِيمَتِهَا وَالْأَرْشِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيلَادِ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهَا مَعَ بَقَاءِ الرِّقِّ فِيهَا فَأَشْبَهَ مَا إذَا جَنَى الْقِنُّ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ لِلْبَيْعِ‏.‏ وَقَالَ الْإِمَامُ‏:‏ السَّيِّدُ بِالِاسْتِيلَادِ مُسْتَمْتِعٌ بِحَقِّهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ، فَجَعْلُهُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ بِجِنَايَةٍ تَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فِيهِ غُمُوضٌ، وَلَكِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ فِي جِنَايَةِ أُمِّ وَلَدِهِ ‏(‏الْقَوْلَانِ‏)‏ السَّابِقَانِ فِي جِنَايَةِ الْقِنِّ، وَلَعَلَّ مَأْخَذُهُ جَوَازُ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ وُجُوبِ فِدَائِهَا عَلَى السَّيِّدِ إذَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، فَلَوْ كَانَتْ تُبَاعُ لِكَوْنِهِ اسْتَوْلَدَهَا وَهِيَ مَرْهُونَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَتُبَاعُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ لُزُومِ فِدَائِهَا وَوَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهَا الْمَمْنُوعِ بِالْإِحْبَالِ، وَقِيلَ يَوْمُ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَمَةَ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِحْبَالِ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُهَا حَالَ الْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرَ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ ‏(‏وَجِنَايَاتُهَا‏)‏ حُكْمُهَا ‏(‏كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ فَيَلْزَمُهُ لِلْكُلِّ فِدَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ، وَإِتْلَافُ الشَّيْءِ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَجَنَتْ جِنَايَتَيْنِ وَأَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَبَضَ أَلْفًا اسْتَرَدَّ مِنْهُ الثَّانِي نِصْفَهُ، أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهُ، أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ أَلْفٌ وَالْأُولَى خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهَا وَمِنْ السَّيِّدِ خَمْسَمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ لِيَصِيرَ مَعَهُ ثُلُثَا الْأَلْفِ، وَمَعَ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ كَدُيُونِ الْمَيِّتِ إذَا قُسِّمَتْ تَرِكَتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ حَدَثَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَهَلَكَ بِهَا شَيْءٌ فَيُزَاحِمُ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ أُمَّ الْوَلَدِ الَّتِي تُبَاعُ بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهِيَ مَرْهُونَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، فَإِنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا، بَلْ هِيَ كَالْقِنِّ يَجْنِي جِنَايَةً بَعْدَ أُخْرَى فَيَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ‏.‏ وَالثَّانِي يَفْدِيهَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَأَرْشِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَالْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَالْبَاقِي مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَفِي بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْأُولَى دُونَ الْقِيمَةِ وَفَدَاهَا بِهِ، وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ قِيمَتِهَا يَفِي بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَدَاهَا بِأَرْشِهَا قَطْعًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَسَكَتُوا عَنْ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهَا وَيُشَبَّهُ الْقَطْعُ بِهِ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّقِ بِرَقَبَتِهَا، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْقَطْعُ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَنَعَ بَيْعَهَا، فَلَوْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ الْأَرْشُ عَنْ السَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْقِنِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى جِنَايَةِ الْمَوْقُوفِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

حُكْمُ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِمَنْعِ الْوَاقِفِ بَيْعَهُ بِوَقْفِهِ، الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إنَّ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ جِنَايَتَهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ‏.‏

‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ‏]‏

المتن‏:‏

فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا، أَوْ حَيًّا وَبَقِيَ زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ فَدِيَةُ نَفْسٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ ‏(‏فِي‏)‏ دِيَةِ ‏(‏الْجَنِينِ‏)‏ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ‏(‏غُرَّةٌ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ‏}‏ بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَتَنْوِينُهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا، وَأَصْلُ الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ، وَلِهَذَا شَرَطَ عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَبْيَضَ وَالْأَمَةُ بَيْضَاءَ، وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَكْثَرُونَ ذَلِكَ، وَقَالُوا‏:‏ النَّسَمَةُ مِنْ الرَّقِيقِ غُرَّةٌ لِأَنَّهَا غُرَّةُ مَا يَمْلِكُ‏:‏ أَيْ أَفْضَلُهُ، وَغُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ خِيَارُهُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِيهِ ‏(‏إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ‏)‏ عَلَى أُمِّهِ الْحَيَّةِ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بِالْقَوْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ الْمُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْجَنِينِ، أَمْ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَضْرِبَهَا أَوْ يُوجِرَهَا دَوَاءً أَوْ غَيْرَهُ فَتُلْقِي جَنِينًا، أَمْ بِالتَّرْكِ كَأَنْ يَمْنَعَهَا الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ حَتَّى تُلْقِيَ الْجَنِينَ وَكَانَتْ الْأَجِنَّةُ تَسْقُطُ بِذَلِكَ، وَلَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الصَّوْمُ وَلَوْ فِي رَمَضَانَ إذَا خَشِيَتْ مِنْهُ الْإِجْهَاضَ، فَإِذَا فَعَلَتْهُ فَأَجْهَضَتْ ضَمِنَتْهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ دِيَتَهُمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ لَكَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَسَوَّى الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا كَأَصْلِ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ يَكُونُ بَدَلَ اللَّبَنِ فِي الْمُصَرَّاةِ، سَوَاءٌ أَقَلَّ اللَّبَنُ أَمْ كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ تَامَّ الْأَعْضَاءِ أَمْ نَاقِصَهَا ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي عِنْدَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ مَعْصُومَةً أَوْ مَضْمُونَةً عِنْدَهَا‏.‏ أَمَّا الْجَنِينُ الرَّقِيقُ وَالْكَافِرُ فَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْفَصْلِ وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الدِّيَةِ وَلَا لِضَرْبَةٍ قَوِيَّةٍ أَقَامَتْ بَعْدَهَا بِلَا أَلَمٍ، ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سُمِّيَ الْجَنِينُ جَنِينًا لِاسْتِتَارِهِ وَمِنْهُ الْجِنُّ، وَقَوْلُهُ ‏(‏فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِانْفَصَلَ‏:‏ أَيْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا بِجِنَايَةٍ أَوْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِجِنَايَةٍ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ ضَرَبَ مَيِّتَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ فَأَوْجَبَا الْغُرَّةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا ‏(‏وَكَذَا إنْ ظَهَرَ‏)‏ بَعْضُ الْجَنِينِ ‏(‏بِلَا انْفِصَالٍ‏)‏ مِنْ أُمِّهِ كَخُرُوجِ رَأْسِهِ مَيِّتًا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ، وَالثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِهِ لِأَنَّ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ كَالْعُضْوِ مِنْهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَجَنِينِ حَرْبِيَّةٍ مِنْ حَرْبِيٍّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا كَأَنْ كَانَ الْجَانِي مَالِكًا لِلْجَنِينِ وَلِأُمِّهِ بِأَنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى أَمَتِهِ الْحَامِلِ وَجَنِينُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ فَعَتَقَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ أَوْ وَكَانَتْ أُمُّهُ مَيِّتَةً أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَا ظَهَرَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ فِي الْأُولَى، وَعَدَمِ ضَمَانِ الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ وَلِظُهُورِ مَوْتِهِ بِمَوْتِهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَقْيِيدُ الْجَنِينِ بِالْعِصْمَةِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأُمِّ بِهَا لِإِيهَامِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى حَرْبِيَّةٍ جَنِينُهَا مَعْصُومٌ حِينَ الْجِنَايَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَلَمْ يَنْفَصِلْ الْوَلَدُ وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا غُرَّةَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ وُجُودَ الْجَنِينِ فَلَا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُنْتَفِخَةَ الْبَطْنِ فَضَرَبَهَا ضَارِبٌ فَزَالَ الِانْتِفَاخُ أَوْ وَكَانَتْ تَجِدُ حَرَكَةً فِي بَطْنِهَا فَانْقَطَعَتْ بِالضَّرْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا فَانْفَشَّتْ وَسَكَنَ ‏(‏أَوْ‏)‏ انْفَصَلَ ‏(‏حَيًّا وَبَقِيَ‏)‏ بَعْدَ انْفِصَالِهِ ‏(‏زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ‏)‏ فِيهِ ‏(‏ثُمَّ مَاتَ‏)‏ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ‏)‏ عَلَى الْجَانِي، سَوَاءٌ أَزَالَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ عَنْ أُمِّهِ قَبْلَ إلْقَائِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ‏)‏ بَعْدَ انْفِصَالِهِ أَوْ تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا كَقَبْضِ يَدٍ وَبَسْطِهَا، وَلَوْ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ لَا اخْتِلَاجًا ‏(‏أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فَدِيَةُ نَفْسٍ‏)‏ كَامِلَةٌ عَلَى الْجَانِي، وَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اخْتِلَاجِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِشَارًا بِسَبَبِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَضِيقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ حَزَّهُ شَخْصٌ وَقَدْ انْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً أَوْ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، فَالْقَاتِلُ لَهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَازِّ إلَّا التَّعْزِيرُ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّهُ شَخْصٌ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالصِّيَاحِ حَيَاتَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا فَغُرَّةٌ، إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أَلْقَتْ‏)‏ أَيْ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا ‏(‏جَنِينَيْنِ‏)‏ مَيِّتَيْنِ ‏(‏فَغُرَّتَانِ‏)‏ تَجِبَانِ فِيهِمَا، أَوْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَهَكَذَا لِأَنَّ الْغُرَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاسْمِ الْجَنِينِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْ مَيِّتًا وَحَيًّا وَاسْتَمَرَّ أَلَمُ الْحَيِّ حَتَّى مَاتَ فَغُرَّةٌ لِلْأَوَّلِ وَدِيَةٌ لِلثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْإِجْهَاضِ اشْتَرَكُوا فِي الْغُرَّةِ كَمَا فِي الدِّيَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَلْقَتْ ‏(‏يَدًا‏)‏ أَوْ رِجْلًا وَمَاتَتْ ‏(‏فَغُرَّةٌ‏)‏ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْيَدَ بَانَتْ بِالْجِنَايَةِ، وَخَرَجَ بِمَاتَتْ مَا لَوْ عَاشَتْ وَلَمْ تُلْقِ جَنِينًا، فَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ غُرَّةٍ كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فِيهَا إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يُضْمَنُ بَاقِيهِ، لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ وَلَوْ مُلْتَصِقَيْنِ فَغُرَّتَانِ، إذْ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَنَانِ، فَالْبَدَنَانِ حَقِيقَةً يَلْتَزِمَانِ رَأْسَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَأْسٌ فَالْمَجْمُوعُ بَدَنٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ إلَّا غُرَّةُ وَاحِدَةٍ‏.‏ وَلَوْ أَلْقَتْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْأَيْدِي أَوْ الْأَرْجُلِ أَوْ رَأْسَيْنِ وَجَبَ غُرَّةُ فَقْدٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِهَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ، بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا زَائِدٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِامْرَأَةٍ لَهَا رَأْسَانِ فَنَكَحَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ‏.‏ وَلَوْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا مَيِّتًا بِلَا يَدٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ مِنْ الْأُمِّ فَغُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَدَ مُبَانَةٌ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ، أَوْ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَدِيَةٌ وَدَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ، فَإِنْ عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ فَنِصْفُ دِيَةٍ لِلْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْقَوَابِلُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ فَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْيَدِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ، أَوْ أَلْقَتَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ أُهْدِرَ الْجَنِينُ لِزَوَالِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ وَوَجَبَ لِلْيَدِ الْمُلْقَاةِ قَبْلَهُ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا نِصْفُ غُرَّةٍ أَوْ حَيًّا وَمَاتَ أَوْ عَاشَ فَنِصْفُ دِيَةٍ إنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ إلْقَاءِ الْيَدِ مَيِّتًا كَامِلِ الْأَطْرَافِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَفِي الْيَدِ حُكُومَةٌ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةُ فَقْدٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْيَدَ الَّتِي أَلْقَتْهَا كَانَتْ زَائِدَةً لِهَذَا الْجَنِينِ وَانْمَحَقَ أَثَرُهَا، أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ لَا غُرَّةٌ كَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ عَاشَ فَحُكُومَةٌ وَتَأَخُّرُ الْيَدِ عَنْ الْجَنِينِ إلْقَاءً كَتَقَدُّمٍ لِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏

المتن‏:‏

وَكَذَا لَحْمٌ قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ، قِيلَ أَوْ لَا قُلْنَ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَكَذَا لَحْمٌ‏)‏ أَلْقَتْهُ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ إذَا ‏(‏قَالَ الْقَوَابِلُ‏)‏ وَهُنَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ ‏(‏فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ‏)‏ عَلَى غَيْرِهِنَّ فَلَا يَعْرِفُهَا سِوَاهُنَّ لِحَذْقِهِنَّ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

تَظْهَرُ الصُّورَةُ الْخَفِيَّةُ بِوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ، وَيَكْفِي تَصَوُّرُ أُصْبُعٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ مَا بَانَ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ ‏(‏قِيلَ أَوْ لَا‏)‏ صُورَةَ أَيْ تَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا فِي إلْقَاءِ لَحْمٍ لَا صُورَةَ فِيهِ أَصْلًا تَعْرِفُهَا الْقَوَابِلُ، وَلَكِنْ ‏(‏قُلْنَ‏)‏ إنَّهُ ‏(‏لَوْ بَقِيَ‏)‏ ذَلِكَ اللَّحْمُ ‏(‏لَتَصَوَّرَ‏)‏ أَيْ تَخَلَّقَ كَمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَالْمَذْهَبُ لَا غُرَّةَ كَمَا لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَمَرَّ إيضَاحُ هَذَا فِي بَابِ الْعَدَدِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِاللَّحْمِ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُضْغَةِ، فَلَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ قَطْعًا كَمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ‏.‏

المتن‏:‏

وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ، وَالْأَصَحُّ قَبُولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصْفَ عُشْرِ دِيَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ ‏(‏عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ‏)‏ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ، وَالْخِيَرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى الْغَارِمِ، وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ أَيْ نَوْعٍ كَانَتْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَبُولُ الْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى فِي الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ لِوَصْفِ الْغُرَّةِ بِقَوْلِهِ ‏(‏مُمَيِّزٌ‏)‏ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ هِيَ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ، وَلَفْظُ الْجَنِينِ وَإِنْ كَانَ يَشْمَلُ الْمُمَيِّزَ وَغَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يَخُصُّهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْغُرَّةِ جَبْرُ الْخَلَلِ وَلَا جَبْرَ مَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى السِّنِّ، حَتَّى لَوْ مَيَّزَ قَبْلَ السَّبْعِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ مُرَادًا‏:‏ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا السِّنِّ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ‏.‏ قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ‏)‏ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ اكْتَفَى فِي الْكُفَّارِ بِالْمَعِيبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْغُرَّةُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَعِيبِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ‏:‏ قَبُولَ الْكَافِرِ، لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ خَصِيٍّ وَخُنْثَى وَكَافِرٍ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَلَى كَافِرٍ بِبَلَدٍ تَقِلُّ فِيهِ الرَّغْبَةُ أَوْ عَلَى مُرْتَدٍّ أَوْ كَافِرَةٍ يَمْتَنِعُ وَطْؤُهَا لِتَمَجُّسٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا هُنَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَفْهَمَ امْتِنَاعُ الْحَامِلِ لِجَزْمِهِمْ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْجَوَارِي، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ، فَقَالَ‏:‏ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ حَامِلٍ وَلَا مَوْطُوءَةٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ حَمْلِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ حَمْلِهَا مَمْنُوعٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بِقَبُولِهَا هُنَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمْلُ بِخِلَافِ بَنَاتِ آدَمَ ‏(‏وَالْأَصَحُّ قَبُولُ‏)‏ رَقِيقٍ ‏(‏كَبِيرٍ‏)‏ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏(‏لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ الْخِيَارِ مَا لَمْ تَنْقُصْ مَنَافِعُهُ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةٍ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَنْقُصُ حِينَئِذٍ، وَالثَّالِثُ لَا يُقْبَلُ بَعْدَهَا فِي الْأَمَةِ وَبَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْعَبْدِ، وَضَعُفَ الْوَجْهَانِ بِأَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يُقَابِلُهُ زِيَادَةُ الْمَنْفَعَةِ‏.‏ أَمَّا الْعَاجِزُ بِالْهَرَمِ فَلَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ وَضَبْطُهُ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الطِّفْلِ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ فِي الْغُرَّةِ ‏(‏بُلُوغُهَا‏)‏ فِي الْقِيمَةِ ‏(‏نِصْفَ عُشْرِ دِيَةٍ‏)‏ مِنْ الْأَبِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ، فَفِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ رَقِيقٌ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهَا دِيَةٌ فَكَانَتْ مُقَدَّرَةً كَسَائِرِ الدِّيَاتِ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ عَلَى أَقَلِّ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الدِّيَاتِ وَهُوَ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ فُقِدَتْ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ فُقِدَتْ‏)‏ تِلْكَ الْغُرَّةُ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا ‏(‏فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ‏)‏ بَدَلًا عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا فَعِنْدَ عَدَمِهَا يُؤْخَذُ مَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِهِ، وَلِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الدِّيَاتِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فُقِدَتْ الْإِبِلُ وَجَبَ قِيمَتُهَا كَمَا فِي فَقْدِ إبِلِ الدِّيَةِ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ مَعَ الْمَوْجُودِ ‏(‏وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ‏)‏ بُلُوغُهَا مَا ذُكِرَ‏:‏ بَلْ مَتَى وُجِدَتْ سَلِيمَةً مُمَيِّزَةً وَجَبَ قَبُولُهَا وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهَا لِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي الْخَبَرِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالْقَوْلِ ‏(‏فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا‏)‏ أَيْ الْغُرَّةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْغُرَّةِ لَا يَصِحُّ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ الدِّيَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَهِيَ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْغُرَّةُ ‏(‏لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ‏)‏ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا دِيَةُ نَفْسٍ، وَيُقَدَّرُ انْفِصَالُهُ حَيًّا ثُمَّ مَوْتِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ فَعَلَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ هِيَ أَيْ وَاجِبَةٌ ‏(‏عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَارِّ ‏(‏وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ‏)‏ الْجِنَايَةَ بِأَنْ قَصَدَهَا بِمَا يُلْقِي غَالِبًا ‏(‏فَعَلَيْهِ‏)‏ وَهَذَا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَحَيَاتُهُ حَتَّى يَقْصِدَ‏:‏ بَلْ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوِيٌّ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ شِبْهِ الْعَمْدِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الشَّخْصِ كَالْعَمْدِ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَمْدُ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُغَلَّظُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَيُؤْخَذُ عِنْدَ فَقْدِ الْغُرَّةِ حِقَّةٌ وَنِصْفٌ وَجَذَعَةٌ وَنِصْفٌ وَخِلْفَتَانِ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّظَ فِي الْغُرَّةِ أَيْضًا بِأَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَاسْتَحْسَنَاهُ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ يَقْتَضِي تَحَمُّلَ عَصَبَاتِهِ مِنْ النَّسَبِ، ثُمَّ الْوَلَاءِ، ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا مَرَّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ الْمَالِ ضُرِبَتْ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعَاقِلَةُ بِالْوَاجِبِ وَجَبَ عَلَى الْجَانِي الْبَاقِي‏.‏

المتن‏:‏

وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ هَدَرٌ، وَالْأَصَحُّ غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

، ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الْكَافِرِ، فَقَالَ ‏(‏وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ‏)‏ بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِ ‏(‏قِيلَ كَمُسْلِمٍ‏)‏ فِي الْغُرَّةِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هُوَ ‏(‏هَدَرٌ‏)‏ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْغُرَّةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالْقِيمَةِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ الْمَنْصُوصُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ فِي الْجَنِينِ الْمَذْكُورِ ‏(‏غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ‏)‏ كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَا بَعِيرٍ، وَفِي الْجَنِينِ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثُ خُمُسِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ ثُلُثُ بَعِيرٍ، وَأَمَّا الْجَنِينُ الْحَرْبِيُّ وَالْجَنِينُ الْمُرْتَدُّ بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِمَا فَمُهْدَرَانِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالرَّقِيقُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ الْإِجْهَاضُ لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ قُوِّمَتْ سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الرَّقِيقِ، فَقَالَ ‏(‏وَ‏)‏ الْجَنِينُ ‏(‏الرَّقِيقُ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فِيهِ ‏(‏عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ‏)‏ قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً قِيَاسًا عَلَى الْجَنِينِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ مُعْتَبَرَةٌ بِعُشْرِ مَا تَضْمَنُ بِهِ الْأُمُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا قِيمَتَهُ فِي نَفْسِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا، وَاسْتُثْنِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ هِيَ الْجَانِيَةَ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَنِينِهَا الْمَمْلُوكِ لِلسَّيِّدِ شَيْءٌ، إذْ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ شَيْءٌ، وَخَرَجَ بِالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ، قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُوَزَّعَ الْغُرَّةُ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ ‏(‏يَوْمَ الْجِنَايَةِ‏)‏ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَوْمَ ‏(‏الْإِجْهَاضِ‏)‏ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إطْلَاقُهُ اعْتِبَارَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِجْهَاضِ أَمْ أَقَلَّ‏.‏ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَتَهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْجِنَايَةِ إلَى الْإِجْهَاضِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ قَطْعًا وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَيُصْرَفُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّقِيقِ ‏(‏لِسَيِّدِهَا‏)‏ أَيْ أُمِّ الْجَنِينِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ لِلسَّيِّدِ أَيْ سَيِّدِ الْجَنِينِ، وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ يَكُونُ لِشَخْصٍ وَصَّى لَهُ بِهِ وَتَكُونُ الْأُمُّ لِآخَرَ فَالْبَدَلُ لِسَيِّدِهِ لَا لِسَيِّدِهَا، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِ الْأُمِّ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ‏)‏ تِلْكَ الْأُمُّ ‏(‏مَقْطُوعَةً‏)‏ أَطْرَافُهَا ‏(‏وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ‏)‏ أَطْرَافُهُ ‏(‏قُوِّمَتْ‏)‏ بِتَقْدِيرِهَا ‏(‏سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِسَلَامَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَتُقَوَّمُ مُسْلِمَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَالْجَنِينُ رَقِيقٌ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ رَقِيقَةً‏.‏ وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِشَخْصٍ وَالْجَنِينُ لِآخَرَ بِوَصِيَّةٍ فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا، وَالثَّانِي لَا تُقَدَّرُ سَلِيمَةً لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأَعْضَاءِ أَمْرٌ خِلْقِيٌّ، وَفِي تَقْدِيرِ خِلَافِهِ بُعْدٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ مَقْطُوعًا وَالْأُمُّ سَلِيمَةً قُوِّمَتْ الْأُمُّ مَقْطُوعَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُقَوَّمُ سَلِيمَةً أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْجَنِينِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ، وَاللَّائِقُ التَّغْلِيظُ عَلَى الْجَانِي لَا التَّخْفِيفُ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ وَعَكْسُهُ لَشَمِلَ هَذِهِ الصُّورَةَ ‏(‏وَتَحْمِلُهُ‏)‏ أَيْ الْعُشْرَ الْمَذْكُورَ ‏(‏الْعَاقِلَةُ‏)‏ أَيْ عَاقِلَةُ الْجَانِي ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِمَا مَرَّ فِي الْغُرَّةِ، وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ‏:‏ وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

سَقَطَ جَنِينٌ مَيِّتًا فَادَّعَى وَارِثُهُ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ سَقَطَ بِجِنَايَتِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَأَنْكَرَ الْإِسْقَاطَ وَقَالَ السَّقْطُ مُلْتَقَطٌ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ أَيْضًا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَيُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ وِلَادَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَالْإِسْقَاطِ وَأَنْكَرَ كَوْنَ الْإِسْقَاطِ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ نُظِرَ إنْ أَسْقَطَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْجِنَايَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُتَأَلِّمَةً حَتَّى أَسْقَطَتْ، وَلَا يُقْبَلُ هُنَا إلَّا رَجُلَانِ، وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْمُدَّةَ الْمُتَخَلَّلَةَ بِمَا يَزُولُ فِيهَا أَلَمُ الْجِنَايَةِ وَأَثَرُهَا غَالِبًا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى سُقُوطِهِ بِجِنَايَةٍ وَقَالَ الْجَانِي‏:‏ سَقَطَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ الْغُرَّةُ وَقَالَ الْوَارِثُ‏:‏ بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ، فَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ اسْتِهْلَالٍ وَغَيْرِهِ، وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا النِّسَاءُ، وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِيهِ فَبَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْلَى لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ‏.‏ ‏.‏